مخبأ Shelter
بقلم مارغاريت ماير,18 أبريل 2018 (swissinfo.ch) يتناول معرض “Shelter” بمعنى “مخبأ” الّذي يقام حاليا في لوتسرن داخل أحد الملاجئ موضوع الأزمات وطريقة التّعامل البشريّ معها، كما يتناول أيضاً وبشكل ثانويّ الفنّانين الّذين لم يستطيعوا السّفر والقدوم للمشاركة بمعرضهم الخاص.
يقول محمد وهبة “لا أعرف بعدُ ما هو رأيي بسويسرا”، أمّا زميله أحمد حسام فيتحدّث بشكل ملموس أكثر فيقول ضاحكاً: “إنّ لوتسرن مدينة جميلة إلّا أنّها صغيرة جدّاً مقارنة بالقاهرة، حصلت على تذكرة للحافلة هنا ولكنّي لم أستخدمها بعد”. فعلا، تمتلك لوتسرن جوّاً مُطَمْئِناً حيث تقع بعيداً عن جميع الأزمات في العالم.
“إنّ المدينة تصلح لأن تكون بيتاً مثاليّاً للدّمى”، يضيف أحد أفراد المجموعة الّتي نزلت إلى مرفق سونينبيرغ (Sonnenberg) للدفاع المدني.. يتعيّن عليّ القول بأنه لا يبدو لي أنّ المقصود هنا هو المدح. وفي الواقع، فإنّ المدينة المتحلّية بلباس مثاليّ من خلال هذا المعرض هي موضوع لعدد غير محدود من الصّور الملتقطة بالهواتف الذّكيّة.
هذا أفضل موقع لمناسبة كهذه، حيث يشعر المرء بالضّيق بمجرد الدّخول إلى عمق بعض الأمتار في النّفق. تمّ إنشاء هذا الملجأ في سبعينيّات القرن العشرين لكي يُستخدم في حالات الحرب أو الكوارث الطّبيعيّة. ثمّ حدث شيء من الطبيعة الإعتياديّة السويسرية المتمثل في أن هذه الحالات الطارئة لم تحدث، وتمّ استخدام المخبأ كملجأ للفنّ، حيث يحتضن هذا الملجأ حاليّاً معرضا ضمن فعاليات مهرجان “فوميتو” للرسوم الهزلية بعنوان “مخبأ، من رسم الأزمات”. وبالفعل، قام العديد من الفنّانين في هذا المجال من بلدان مختلفة بمعالجة موضوع الأزمات والخبرة البشريّة خلالها.
صدع يشقّ العالم من أوّله إلى آخره
لسنا أكثر من عشرات الأشخاص وبيننا بعض الفنّانين نتجوّل في الممرّات الباردة والمُوحشة بعض الشّيء. يمازحنا كارلوس سبوتورنو (Carlos Spottorno) قائلاً: “هل من المفروض أن نطمئنّ لرؤية هذا الخضار على الجدران؟”. لقد قام هذا المصوّر والمراسل الإسبانيّ مع زميله غيارمو أبرل بالسّفر عبر حدود أوروبا الخارجيّة وألّفا كتاباً بعنوان “الصّدع”.
يتحدّث سبوتورنو عن صدع يمر ويشقّ العالم وأوروبا. لقد كان شخصيا على متن قارب لخفر السّواحل في البحر الأبيض المتوسّط عندما تمّ القيام بعمليّة إنقاذ، ويقول: “لقد اعتدنا اليوم على هذه الصّور”. سبوتورنو كلّه قناعة بأنّه لا يجوز للفنّانين التّخلي عن العالم والإنغلاق على أنفسهم في أوقات الأزمات هذه.
في صورة سبوتورنو المعلّقة في الغرفة المظلمة على حائط إسمنتي يزيد سمكه عن المتر، نرى البحر وقارباً ومحتوى رسالة لاسلكيّة كشاهد صامت على كارثة قادمة من مكان لا يبعد كثيرا عنا.
قصّة واحدة ووجهتا نظر
يقصّ علينا أحمد حسام القصّة ذاتها ولكن من منظور مختلف، حيث يتعاون الفنّان المصريّ مع محمّد وهبة ومع الزّميلتين السّويسريّتين باربارا مولي وجوليا مارتي على مشروع كتاب مشترك بعنوان “قطع الحدود” (Border Crossing). أحدهم يحاول الهرب ولكنه لا يحصل على التأشيرة ومن ثمّ يقرّر ركوب البحر وهكذا يموت، على هذا النّحو يعطي أحمد حسام وصفاً موجزاً لعمله وذلك بصوت وبكلمات هادئة في غرفة خالية من النّوافذ.
أكثر الأعمال المعروضة في “مخبأ” (Shelter) تعالج موضوع الفرار والهرب، وذلك من طرف فنّانين أجانب وسويسريّين على حد سواء. وأتساءل أنا كيف يتمّ ذلك؟ رسام الكاريكاتير السّويسري باتريك شابات يشرح ما يحدث كالتّالي: “نحن نأتي من زوايا مختلفة ونلتقي في المنتصف وفي النّهاية نحاول أن نروي هذه الحكاية”.
فنّ وراء القضبان
عاش حميد سليماني بنفسه تلك الحالة الكارثيّة الّتي كانت سويسرا قد سلّحت نفسها (بالمخابئ تحت الأرضية) من أجلها، حيث ترك المهندس المعماري والفنّان من دمشق مدينته في 2011 بعد ستة أشهر من اندلاع الحرب وبعد أن دخل السّجن ثلاث مرّات، ويقول: “اعتقدت أنّي سأعود بعد ثلاثة أو أربعة أشهر”.
في روايته المصورة بعنوان “مستشفى الحريّة”، يروي حميد قصّة مشفى متخيّلة في دمشق يتقابل فيها مع أشخاص من مختلف أطراف الصّراع يُعتبرون أعداء. ربما يتوهّم المرء في بداية الأمر أنّ ذلك غير واقعيّ إلّا أنّ صاحب الـ 32 عاماً يؤكّد أنّ المرء يسمع في كلّ يوم قصصاً عجيبة من هذا النّوع، كمباريات كرة القدم بين الأطراف المتصارعة على خطّ النّار وذلك بعدما حاول الكلُّ قتل الكلِّ. أنا لم استطع تصديق ذلك، إلّا أنّ الحرب غريبة وعجيبة.
إنّ صور ورسوم سليمان مُبهرة ومليئة بالأمل وكتابه عبارة عن مجموعة من الملصقات والصّور المستقاة من خبراته الشّخصيّة وحكايات أصدقائه الّذين تركهم وراءه. لا شكّ في أنّ تعليق أعماله في مخبإ سونينبيرغ وراء القضبان وفي زنزانات السّجن يتناسب مع استخدام شرطة مدينة لوتسرن هذا المكان كسجن في حالات الطوارئ.
إلى ذلك، ينظر الفنان إلى الأسباب الّتي تكمن وراء قيامه بهذه الأعمال الفنّيّة بطريقة نقديّة، ويرى أنّه ممّا يثير الغضب أحياناً أنّ المرء في هذه البلاد محصور على مناطق الأزمات الخاصة به، “إنّك دائماً لا تُسأل إلّا عن بلدك الأصليّ وسياسته فقط، ولكن ربما تريد أنت أن تتحدّث عن الرّياضة أحياناً؟ أو عن موضوع آخر تهتم أنت به ويهتم به الآخرون أيضا”.
الفنّانون العراقيّون ضلّوا بلا فيزا إلى أن فات الأوان!
بعد ساعة من الزّمن يرتجف الجميع ذعراً حيث يكتشف أحد الحاضرين أنّه ليس هناك ما يكفي من الأوكسجين في المخبأ، أشعر بالغثيان، ربما من غياب نور الصّباح أو من موضوعات الصّور والرّسوم هنا. لا يمكن للمرء تصنيف وترتيب الموضوعات ولا حتّى قراءة أسماء الفنّانين حيث أنّ الظلام لا يسمح بذلك.
إن ما يميّز هذا المعرض هي حقيقة أنّه يتواجد في مكان شبه حقيقيّ وأنّه يعتمد على الشّعور الذّي يتولّد من ذلك وعلى صوت المرء ذاته الّذي له وقع ورنين يختلف عنه في الخارج.
بسرعة كبيرة، يلاحظ من يزور “مخبأ” (Shelter) أنّ مقياس القلق العالميّ معيّر بشكل متباين جدّاً. كما يتناسب رفض إعطاء تأشيرة لدخول سويسرا لأربعة من الفنّانين العراقيّين الشّبان (ألغي القرار بعد الإعتراض عليه من طرف إدارة المهرجان ولكن بعد فوات الأوان) مع مجموعة المساحة وبالتّالي عدم حضورهم مع موضوع المهرجان. إذن لا ملجأ، ولا إمكانيّة ولو مؤقّتة للهرب إلى هنا. حتّى التّبادل الفنّيّ تحول إلى امتياز.
خرجنا من جديد إلى الهواء الطلق حيث نشعر براحة أكبر، ونستمع إلى صوت حفيف أوراق الشّجر ونشتمّ رائحة المطر.. يبدأ البعض بإشعال السجاير ونسمع من مكان قريب ضحكات طفل يلعب، وتبقى الأزمات في الملجأ. ثمّ نتمشّى عائدين إلى المدينة. مشية مسالمة، يُفترض أن تكون من أكثر الأشياء طبيعيّة في العالم.