في الفن التشكيلي هناك العديد من الفنانين الذين ظهرت العزلة الإنسانية كثيمة رئيسية في لوحاتهم. يعرف علماء النفس العزلة بأنها حالة يصبح فيها العقل بعيدا عن المنبهات المستمرة، مدركا لذاته، وهي اللحظة التي يزدهر فيها الإبداع. هنا محاولة لاستعادة بعض اللوحات التي ربما تتلامس مع عزلة البشر الحالية.
“في وقت مبكر من صباح الأحد”
ولد الفنان الأميركي إدوارد هوبر عام 1882 وتوفي عام 1967، وعاصر تغيرات عالمية مختلفة، وتحول أميركا إلى عالم جديد تجتاحه الآلة، ويشعر الإنسان فيه بالاغتراب عن الحياة والطبيعة.
اختار هوبر التعبير عن مشاعره من سيطرة العالم المادي على الحياة الإنسانية، فلا يظهر في لوحاته تجمعات أو علاقات بشرية، ولكن أفراد في عالم سحري مسطح دون حكاية سردية واضحة، بشكل يسمح للمتفرج بحرية خلق حكايته الخاصة.
في لوحته “وقت مبكر من صباح الأحد” يستشرف هوبر الفراغ الذي يعيشه العالم حاليا في كل البلاد. الأماكن التي كانت تضج بالبشر أصبحت خاوية تماما، كما لوحاته الشهيرة.
يقول هوبر في حديث له إن كلمة “الأحد” لم تكن جزء من عنوان اللوحة، لكن أضافها شخص ما. يمكننا حاليا حذف الكلمة مجددا، لتشبه اللوحة كل الصباحات حول العالم في وقت اجتياح فيروس كورونا.
“الرمادي والذهبي”
يعتبر جون روجر كوكس (1915-1990) واحدا من علامات المشهد الفني الواقعي الأميركي، فقد اعتاد على تصوير مشاهد الغرب الأميركي من خلال رؤية خيالية تركز على التفاصيل الصغيرة للمناظر الطبيعية الأميركية مثل تفاصيل حقول القمح، وغيوم السماء.
تعتبر لوحة “الرمادي والذهبي” من أشهر أعمال كوكس، وتوجد في متحف كليفلاند للفنون منذ عام 1943، وقد رسمها في أعقاب الهجوم على ميناء بيرل هاربر، ودخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.
اللوحة مستوحاة من حقول القمح الأميركية، بولاية إنديانا مسقط رأس الفنان. ويظهر في مقدمة اللوحة تقاطع ممرين ترابيين، بالإضافة إلى عمود هاتف مزين بملصقات دعائية. يطلق على الطريق المرسوم في اللوحة “مفترق طرق أميركا” بسبب تقاطع الطرق السريعة الرئيسية بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، ويرمز الطريق في الأساس لمفترق طرق صمود الديمقراطية في أميركا، في مقابل انتشار الفاشية في آسيا وأوروبا، لكن بشكل واضح يمكن أن تكون اللوحة واحدة من أكثر اللوحات تشابها مع عالم ما بعد كورونا في عام 2020.
“العزلة”
يشتهر الفنان الإيطالي جورجيو دي كيريكو كواحد من مؤسسي حركة الفن الميتافيزيقي، بلوحاته السيريالية، التي يحاول فيها مزج أيقونات العالم الحديث مع الأفكار الكلاسيكية القديمة.
في لوحة العزلة يظهر أحد شخوصه الهجينة، ملقاة على سقالة، أو لوح خشبي. يبدو أن مخلوقه العجيب في حالة حزن تؤكدها طأطأة الرأس والجلسة المنكسرة، والتي ربما تشير أيضا إلى تجول الكائن في أفكاره الداخلية وانعزاله التام عن العالم المقفر من حوله.
تكرر وجود الشخوص الهجينة في لوحات دي كيريكو، كملهمين لأساطير ما وراء الطبيعة، وعالم الذاكرة والخيال، لكن في الوقت نفسه يمكن أن نجد فيها حاليا ما يشبه حال الإنسان المعاصر من ألم وعزلة وانكسار.
“عزلة”
تنتمي لوحة “عزلة” إلى فنون طاجيكستان، للفنان المعاصر دالر عثمانوف، وتظهر اللوحة شابا جالسا على أرضية غرفة مظلمة، يراقب ضوء الشمس وهو يغمره من النافذة. تبدو العزلة في هذه اللوحة عزلة روحانية ساكنة، ولا يظهر وجه الشاب بمشاعر معينة، لكن وضعية الجلوس التي اختارها الفنان تعكس حالة من الهدوء والتصالح الإنساني مع العزلة، وحالة من التأمل يمكن تفسيرها على أنها التنوير الذي نحتاجه لفهم أنفسنا وإشراق عقولنا وفك التباس الأفكار المتشابكة بداخل كل شخص منا.
“غرفة نوم في آرل”
قدم الفنان فنسنت فان غوخ لوحة “غرفة نوم في آرل” عام 1890، إذ عاش غوخ حياة مأساوية للغاية، وتجسدت أغلب مشاعره والأحداث التي عاشها في لوحاته، لذا يمكن أن تقول لوحة غرفة نوم في آرل الكثير عن حياة فان غوخ.
رسم فان غوخ غرفته في خمس لوحات، اللوحة الأولى نفذها بخامة الزيت وكان سعيدا بها وكتب عنها في رسالة إلى شقيقه ثيو قائلا “النظر إلى اللوحة يجب أن يريح العقل والخيال”.
في تلك اللوحة تبدو الألوان لامعة وجريئة، وهي نموذج للتغير الذي حدث في ألوان فان غوخ في فترة إقامته في آرل وسان ريمي. كمان أن الجانب اللافت أكثر في اللوحة هو منظورها الغريب غير الواقعي والذي تمرد خلاله فان غوخ على النهج التقليدي للفنانين الهولنديين الكلاسيكيين. يمكن أن يسير الفنانون على نهج فان غوخ ويرسمون غرفهم الخاصة في تلك الفترة التي يجلس فيها العالم بالكامل في المنازل.