يأكل الأطفال جميعهم بشكل انتقائي في مرحلة ما أثناء الطفولة، ولا يوجد تعريف مقبول عالميا للأكل الانتقائي، ولا يوجد اتفاق على أفضل وسيلة لتحديده، خاصة وأن معظم الأطفال الانتقائيين لا يعانون من نقص مرضي في الوزن مقارنة بأصدقائهم.
لماذا ينتقي الطفل الطعام؟
يمكن أن يصبح الطفل انتقائيا في طعامه لعدة أسباب، بعضها فطري والآخر مكتسب، فقد يكون الطفل أكثر حساسية للتذوق والرائحة والملمس، أو واجه صعوبات في الرضاعة، أو تأخر فطامه، أما غالبية الأطفال فيطورون سلوكات الأكل الانتقائية من خلال محاكاة لعادات الأكل غير الصحية لوالديهم.
وتزداد احتمالية تطور تلك السلوكات إلى عادات عندما يعاقب الوالدان طفلهما، أو يرشونه، أو يكافئونه، أو يصبح تناول الطعام معركة، بدلا من تشجيعه على تجربة أطعمة جديدة.
أجرت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال دراسة لبحث عادات الأطفال من سن 4 إلى 9 سنوات، وكشفت أن تناول الطعام بشكل انتقائي يبدأ في سن مبكرة، ويميل الطفل إلى اتباع هذا السلوك مدى الحياة، مما يعني ضرورة تدخل الآباء والأمهات لعلاجه مبكرا، ويفضل أن يكون ذلك قبل أن يبلغ طفلهم سن الثانية، ويصبح جزءا من شخصيته، ووسيلة لإثبات استقلاليته مقابل عناد الوالدين.
قدمت الدراسة بعض الحلول المفيدة للآباء والأمهات، وسيكون في اتباعها مواجهة لأسباب المشكلة، ووسيلة للتقرب من الطفل، ومحو أفكاره وذكرياته السلبية حول بعض الأطعمة أو الأكل بشكل عام، وهي:
1- على الأسرة عدم تحضير وجبة مخصصة للطفل، ومقابل ذلك عليهم تحضير الكثير من الأطعمة الصحية المتنوعة، على أن تشمل الخضراوات والفاكهة بشكل أساسي، مع استثناء الأطعمة التي قد تسبب الاختناق إذا فشل في مضغها، ليأخذ الطفل قراره في أكل ما يريد.
الطفل الذي يحصل على الكثير من الخضراوات والفاكهة في طبقه يعتبرها أطعمة عادية ولذيذة، عكس تلك الأطعمة التي يجبر على تناولها وحده.
2- توصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن انتقاء الطعام قد يكون عرَضا لمشكلة أكبر وهي كتمان الطفل لمشاعره، وهذا يمكن التأكد منه إذا كان للطفل سلوكات تتصف بالتحدي والعناد غير انتقاء الطعام، وهنا يجب التواصل مع طبيب متخصص في حل مشاكل الصحة النفسية والسلوكية للأطفال.
3- يجب وضع جدول والالتزام به بمجرد انتهاء فترة الرضاعة لتفادي تلك المشكلة، حيث يضم الجدول 3 وجبات صحية، ووجبتين خفيفتين صحيتين يوميا، واحدة بين الإفطار والغداء، والأخرى بين الغداء والعشاء.
إذا لم يأكل الطفل ما يتم تقديمه بعد حوالي 20 دقيقة، يؤخذ الطبق بعيدا ولا يقدم له وجبة أخرى إلا في موعدها، وبعد فترة سوف يكتشف الطفل أنه إذا لم يأكل فسيكون جائعا، وسيلتزم بتناول المتاح في موعده.
4- وجدت الدراسة أنه إذا كان الآباء والأمهات صارمين للغاية في تحديد ما يمكن للطفل تناوله وما هو الممنوع عنه، سينعكس ذلك على رد فعله بانتقاء الطعام. يمكن استبدال تلك الطريقة بتشجيعه على تناول أطعمة جديدة بدون الخوض في شجار حولها، أو إجباره على أكل كل ما في طبقه.
هنا يجب التأكيد على احتمالية عناد الطفل لإثبات شخصيته، لذا يلزم تقسيم السلطات، فيتحكم الوالدان في ماذا وأين ومتى يتوفر الطعام، ويقرر الطفل ما إذا كان سيأكل أم لا، وكم سيأكل، وبأية طريقة، وهل يأكل رأس البروكلي أم جذعه.
5- تناول الوجبات في تجمع أسري، والاستمتاع بتلك الأوقات، للتركيز على الجانب الاجتماعي لتناول الطعام سويا، بدلا من الطعام نفسه، حتى وإن رفض الطفل تناول الطعام، فعليه البقاء على كرسيه حتى ينتهي الجميع من طعامه.
ولتحقيق ذلك يفضل ترك الهواتف الذكية بعيدا عن الأيدي، واعتبار أوقات الوجبات فرصة للتواصل والضحك وسرد أحداث اليوم الطريفة، فالعلاقات الأسرية الوطيدة تنمي مهارات الطفل، وتطمئنه، وتساعده على تفادي المشكلات في سن المراهقة.
6- قد يسعد البعض تردد الطفل الانتقائي على المطبخ أو الثلاجة وانتقاء ما يريده خارج مواعيد الوجبات التي رفضها، أو الخضوع وطبخ وجبته المفضلة بديلا عن المتاح، لكن يجب منع ذلك، فلا يجب السماح للطفل بتناول العصائر والحليب سوى مرة واحدة في اليوم، واستبدال ذلك بشرب الماء، ليحل موعد الوجبة الأساسية أو الخفيفة وهو جائع بما يكفي لتناول المتاح.
7- يهتم الأطفال بما يفعله الكبار، لا بما يقولونه، لذا يجب التوقف عن شراء الوجبات السريعة والصودا والحلوى، واستبدالها بأطعمة صحية، ليصبح الوصول إليها أصعب بكثير، كما يجب رسم مثال صالح للطفل ومساعدته على التأكد من أن هذه الأطعمة الصحية مفيدة بالفعل.
8- لا يجب تقديم الحلوى مع كل وجبة، أو حتى كل يوم. عندما تتوفر الحلوى بالمنزل لا يجب إجبار الطفل على تناول وجبته كاملة قبل الحلوى، فقد يكون ممتلئا لكنه سيأكلها على أية حال، كذلك إذا رفض الطفل تناول الوجبة فإن منعه من الحلوى ليس الحل، سيتعلم الطفل قيمة الحلوى ويفضلها على الأطعمة الصحية، مما قد يغير نمط طعامه للأسوأ مدى الحياة، والحل هنا هو تقديم الحلوى مع الوجبة.
9- ستكون مشاركة الطفل في التخطيط للوجبات وإعدادها دافعا له لتناولها، وذلك عن طريق البحث عن مكونات الوجبة وطريقة تحضيرها معا، والاستعداد لتجربة أشياء جديدة ومختلفة تروق له، واصطحابه للتسوق، وحتى زراعة بعض الخضراوات والأعشاب بالمنزل. قد يستغرق ذلك وقتا للاتفاق والطبخ بمساعدة طفل، لكن النتيجة تستحق.
10- إذا لم تنجح تلك الحيل يجب اللجوء إلى طبيب في أقرب فرصة.